الي اين
كالعادة و كما اعتدنا من الشعوب العربية بعد انتفضوا وثاروا علي ماقامت به الصحيفة الفرنسية من رسومات مسيئة لرسولنا الكريم محمد صلي الله و عليه وسلم و ما تبعها من هجوم دموي من بعض الذين لا يمثلون الاسلام من باب انتقام للرسول عليه السلام .. و ثم الهجوم الاعلامي علي المسلمين .. و ضجة اعلامية ومظاهرات و مقالات و حوارات ولقاءات ثم كل شيء توقف.
الان هدآت العواطف . وتلاشت المقالات بين مؤيد و معارض و محرم و محلل .. و كل شيء ذهب مع الرياح .. اين الحكم مما حدث؟ او الا يوجد حكيم؟
في البداية اود ان اقول لا للتعميم من الطرفين فالاية من القران صريحة و واضحة:
( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَنْ تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) صدق الله العظيم . ( فاطر :١٨)
فنحن المسلمين نمتاز بسرعة الغضب بسبب فعل عدد صغير من الافراد الذين لا يمثلون الا نفسهم و قاموا بالاساءة.. هم من اسائوا وليس دولتهم او شعبهم. وفي هذا المنعرج ايضا نحن لم نتقبل منهم عندما عمم احدهم وصف هذه الحادثة ارهابية و ان الدين الاسلامي يدعو الي الارهاب والقتل والعنف! فلماذا نغضب ؟.. ليس اولها احداث سبتمبر عندما اعترض المسلمين ان هذا العمل هو عمل الفردي ولا يمثل الاسلام. و نتذكر الاية الاخري بعد بسم الله الرحمن الرحمين
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (المائدة: ٨).
الم تكن هناك لحظة تدبر وتفكر.. ونسآل انفسنا كيف سيتعامل الحبيب لو كان بيننا اليوم ؟ كيف سيتصرف في مثل هذه المواقف ! الا يتسال البعض؟ او كيف كان سيواجه مثل هذه المواقف ثناء رسالته وتآدية امانته ؟ .. اقول لكم حكايتين من السيرة درسناهم جيدا و حفظناهم منذ صغرنا .. و تعلمنا دائما ان نآخذ الحكمة والعبرة للمستقبل.
عبدالله بن ابي بن سلول رآس المنافقين .. و هو عائد مع المسلمين في احدي الغزوات الي مدينة كان يحكي اصحابه ويصف الرسول عليه سلام وقال : “ سم من كلب ياكلك. والله لو ان عدنا الي المدينة ليخرجن منها الاعز الاذل “ بهذه الكلمات كان يصف بها الرسول علي الصلاة و السلام .. هذه العبارة هي اسواء بكثير بالالف المرات من الكاريكاتير المسيئ.
كيف تعامل الرسول الكريم؟
فقال عمر بن خطاب في لحظة غاضبة..” دعني اضرب عنقه يا رسول الله” .. فآجبه المصطفي بكل حكمة و وقار وكآنه يخلد هذه الدروس لامته من بعده . ليوم مثل هذا . فقال لعمر:” لا بل نترفق به ونحسن اليه طالما معنا اخشي ان يقول الناس ان محمد يقتل اصحابه ” .
حكاية اخرا من زمن النبوة
كانت قريش لا تكف اذي و سب وهجاء الرسول محمد صلي الله عليه وسلم .. كانت تسميه ” مذمم “
فلما جاء الخبر الي محمد صلي الله عليه وسلم . فقال قولته المشهورة ” فانظرو كيف يهجونني .. و صرف الله كلامهم عني .. هم يهجنوني بالمذمم وانا محمد “
المصطفي عليه السلام كانت لديه رؤية كبيرة قضية كبيرة هي امة المسلمين و هدف اكبر واسمي من هذه التفاهات .. كيف تغرس الاخلاق و المعاملات مع الاخرين .. كيف ان تكون حليم في لحظة غضب . كآن هذه الدروس كانت عبرة للمسلمين من بعده .. كانت الرؤية كبيرة وعظيمة لديه وليس وقت للتفاهات بكل اختصار. اهمال التفاهات كما اوصانا. الا يجب ان نتآسي به؟ ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) ( الاحزاب :٢١)
و حكاية اخرا .. في عام الحزن .تكالبت الأحزان على النبي صلى الله عليه وسلم وزادت عليه همومه وتضاعفت بوفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وعمه أبي طالب في عام واحد، فـخديجة كانت خير ناصر ومعين له -بعد الله تعالى-، وعمه كان يحوطه ويحميه ، ويحبه أشد الحب، وضاعف من حزنه صلى الله عليه وسلم أنه مات كافراً .
فاستغلت قريش غياب أبي طالب فازدت من إيذائها للنبي صلى الله عليه وسلم وتضيّق عليه، وكان أبو لهب من أكثر الناس كراهية للدعوة وصاحبها صلى الله عليه وسلم ، حتى إنه كان يلاحق النبي صلى الله عليه وسلم في موسم الحج ، وفي الأسواق يرميه بالحجارة ويقول : ” إنه صابئ كذاب “، ويحذر الناس من اتباعه، فضاقت مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به الحال، حتى فكر في أن يتخذ أسلوبا آخر في دعوته بتغيير المكان، علَّه أن يجد قبولاً، فاختار الخروج للطائف، حيث كانت تمثل مركزاً مهماً لقريش. فعزم على الخروج إليها راجياً أن تكون أحسن حالا من مكة، وأن يجد من أهلها نصرة، فخرج على أقدامه حتى لا تظن قريش أنه ينوي الخروج من مكة، وكان في صحبته زيد ابن الحارثة . و بدأ صلى الله عليه وسلم بسادات القوم الذين ينتهي إليهم الأمر، فكلمهم عن الإسلام ودعاهم إلى الله، فردوا عليه رداً قاسياً، وقالوا له: اخرج من بلادنا، ولم يكتفوا بهذا الأمر، بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم فتبعوه يسبونه ويصيحون به ويرمونه بالحجارة، فأصيب عليه الصلاة السلام في قدميه حتى سالت منها الدماء، وأصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن والتعب ما جعله يسقط على وجهه الشريف ، ولم يفق إلا و جبريل قائم عنده، يخبره بأن الله بعث ملك الجبال برسالة يقول فيها: إن شئت يا محمد أن أطبق عليهم الأخشبين، فأتى الجواب منه عليه السلام بالعفو عنهم قائلاً: ( أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) .. لم يرضي الرسول ان يؤذيهم او ينزل البلاء بهم .. بل صبر و اتقي والله ودعا الله لهم بالهداية .. لعلي منهم من يهتدي .. كان عليه السلام هدفه اسمي من كل شيء تبليغ الرسالة الاسلام بالسلام و المحبة و ليس القتل والانتقام ..
و اخيرا اقول ان الاستهزاء سيستمر الي يوم الدين لن ينتهي و لن يتوقف فهو سنة كونية .. فالعالم فيه اكثر من ستة بليون من البشر . من يستطيع ان يتحكم فيه ؟ كان الحبيب يستهزء به و هو علي قيد الحياة فمبال بعد وفاته! .. ما علينا الان نهمل هذه التفاهات و ننظر بعين واحدة نحو اخلاقنا واعمالنا و عبادتنا وان نحسن من تصارفاتنا .. فالدين معالمة و حسن خلق قبل ان يكون عبادة .. فالاسلام لم يكون يوما بالقتل او تهجير او قطع الرقاب .. الاسلام من السلام .. و ايضا ليس الركض خلف العاطفة قبل التفكير .. ولا احد ينكر اننا شعب يذهب وراء عاطفته قبل عقله .. من اجمل العبارات الجميلة التي قيلت للشيخ رشيد رضا “ الجمو نزوات العواطف بنظرات العقول . وانيرو اشعة العقول بلهيب العواطف “ اتمني ان تتغير النظرة والتفكير المسلمين بنظرة اوسع بعيدة المدي و ان يهملوا التفاهات ليعزوا الاسلام والمسلمين. واخرا اريد ان انهي بالاية العظيم التي تكمن في حل جميع مشاكلنا في حياتنا الدنيا . قال تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ( ال عمران:٢٠٠) صدق الله العظيم. والله ماوراء القصد